إن عبور الحدود الجغرافية يعني دخول نظام قانوني مختلف تماماً. فبينما تعتمد قوانين الأسرة في العديد من البلدان على الأحكام الدينية والشريعة، يُدار النظام القانوني التركي بناءً على القانون المدني المقتبس من القانون السويسري.
هذا الاختلاف يجعل قضايا مثل الزواج، والطلاق، وحضانة الأطفال تشكل تحدياً كبيراً للأجانب والمقيمين الدوليين. في هذا السياق، سنستعرض كافة أبعاد قانون الأسرة في تركيا وخصائص محامي الأسرة المحترف، لتتمكن من الدفاع عن حقوقك برؤية واضحة واختيار واعي.
لماذا نحتاج إلى محامٍ لشؤون الأسرة في تركيا؟
يعتقد الكثيرون أن المحامي ضروري فقط عندما تصل النزاعات به إلى ذروتها. ولكن في النظام القضائي التركي، يلعب محامي الأسرة دوراً وقائياً. فالمحامي المتخصص لا يكتفي بالدفاع عنك في المحكمة، بل يمنع حدوث الأزمات المالية والعاطفية من خلال تنظيم العقود المالية قبل الزواج والإدارة الاستراتيجية للعلاقات القانونية.
المهام الأساسية لمحامي الأسرة في تركيا
- تنظيم العقود المالية: تحديد مصير الأموال والممتلكات قبل وقوع أي خلاف.
- إدارة قضايا الطلاق: بدءاً من الطلاق بالتراضي السريع وصولاً إلى قضايا النزاعات المعقدة.
- تحصيل حقوق الأطفال: ضمان الحضانة والنفقة بناءً على مصلحة الطفل الفضلى.
- الحماية من العنف: استصدار أوامر الحماية الفورية.
- حل تعارض القوانين: تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم الأجنبية داخل تركيا.
شروط وأنظمة الزواج في تركيا للأجانب
في تركيا، الزواج المدني الذي يتم تسجيله في المكاتب الرسمية للبلدية (Evlendirme Dairesi) هو الوحيد المعترف به قانونياً. الزواجات الدينية التي تتم بدون تسجيل رسمي لا تترتب عليها أي حقوق قانونية مثل الميراث أو حق الإقامة للزوجين.
الشروط الأساسية لصحة الزواج:
- السن القانوني: إتمام 18 عاماً (وفي حالات خاصة بإذن المحكمة 16 عاماً).
- الصحة البدنية: إجراء فحوصات الدم الإلزامية للأمراض المعدية.
- شهادة العزوبية: يجب على الرعايا الأجانب الحصول على هذه الشهادة من قنصلية بلادهم وتصديقها من الجهات الرسمية التركية (المحافظة).
- فترة العدة: يجب على النساء المطلقات مرور 300 يوم على طلاقهن السابق، ما لم يتم تقديم شهادة عدم حمل وحكم من المحكمة.
تسجيل الزواج في الأنظمة الوطنية
بعد إتمام الزواج في تركيا، من الضروري تسجيل الزواج عبر قنصلية الدولة الأم وفي السجلات الوطنية الخاصة بالمواطن المغترب، وذلک لتفادي المشاكل المستقبلية المتعلقة باستخراج أوراق ثبوتية للأطفال أو مسائل الميراث في الوطن الأم.
الطلاق في تركيا؛ من الطلب حتى صدور الحكم
الطلاق في تركيا هو عملية قضائية بالكامل. لا يتم الاعتراف بأي طلاق يتم خارج محكمة الأسرة. إن اختيار محامي طلاق في تركيا يكون مطلعاً على الاختلافات الثقافية والقانونية بين البلدين يعد أمراً حيوياً جداً في هذه المرحلة.
كيفية تقديم طلب الطلاق في تركيا؟
تبدأ العملية بصياغة دعوى من قبل المحامي وتسجيلها في محكمة الأسرة. تنقسم أسباب الطلاق إلى فئتين:
- أسباب خاصة: مثل الخيانة، محاولة الاعتداء على الحياة، المعاملة المهينة بشدة، ترك الحياة المشتركة، یا الإصابة بمرض عقلي لا يرجى شفاؤه.
- أسباب عامة: وتعرف تحت مسمى “انهيار أسس الروابط الأسرية”، وهي السبب الأكثر شيوعاً في قضايا الطلاق النزاعية.
قضية الطلاق بالتراضي
هي الطريق الأسرع والأقل تكلفة لإنهاء العلاقة. ولتحقيق ذلك:
- يجب أن يكون قد مضى عام واحد على الأقل على الزواج.
- يجب حضور كلا الطرفين في جلسة المحكمة.
- يجب تنظيم “بروتوكول اتفاق” دقيق من قبل المحامي يحدد فيه بوضوح مصير الحضانة، والنفقة، وتقسيم الممتلكات والمجوهرات.
كيف يتم تقسيم الممتلكات بعد الزواج في تركيا؟
قد يواجه الكثير من الأجانب صدمة قانونية في تركيا فيما يخص مسألة تقسيم الأموال. فخلافاً للأنظمة التي تعتمد مبدأ الفصل بين الممتلكات، يطبق في تركيا منذ عام 2002 نظام “المشاركة في الأموال المكتسبة”.
المشاركة بنسبة 50-50
كل مال يتم الحصول عليه بعد تاريخ الزواج، سواء كان عقاراً، سيارة، حساباً بنكياً یا راتباً، يجب أن يُقسم بالتساوي عند الطلاق، حتى لو كان السند مسجلاً باسم أحد الزوجين فقط.
الممتلكات الشخصية (الاستثناءات)
الأموال التي لا تشملها القسمة هي:
- الأصول والممتلكات المملوكة قبل الزواج.
- الميراث أو الهدايا التي حصل عليها الفرد بصفة شخصية.
- المقتنيات الشخصية تماماً مثل الملابس أو أدوات العمل التخصصية.
المواضيع ذات الصلة
مسكن العائلة في تركيا: مظلة حماية للزوجين
ينص القانون التركي على نظام يسمى “شرح مسكن العائلة” (Aile Konutu Şerhi) بهدف منع تشريد الزوج أو الزوجة والأطفال. فإذا كان المنزل الذي تقيم فيه الأسرة مسجلاً باسم أحد الزوجين، فلا يحق له بيعه أو تأجيره دون الحصول على موافقة خطية من الطرف الآخر.
يمكنك، بمساعدة محامٍ ومن خلال مراجعة مديرية السجل العقاري (Tapu)، تسجيل هذا القيد على سند الملكية لضمان أمن واستقرار محل إقامتك.
حقوق الأطفال بعد الطلاق في تركيا: الحضانة، النفقة، والوصاية
في تركيا، تتخذ المحاكم قراراتها بناءً على “المصلحة الفضلى للطفل”، ولا يوجد معيار محدد يعتمد فقط على السن.
- الحضانة (Velayet): يدرس القاضي أي الوالدين سيكون الطفل لديه في وضع أفضل من الناحية النفسية والتعليمية والتربوية.
- حق نفقة الأطفال (İştirak Nafakası): يلتزم الوالد الذي لا تؤول إليه الحضانة بدفع مبلغ شهري لتغطية نفقات الطفل، ويزداد هذا المبلغ سنوياً وفقاً لمعدلات التضخم.
- الوصاية (Vesayet): في حال عدم أهلية الوالدين أو وفاتهما، تقوم المحكمة بتعيين وصي للطفل يعمل تحت إشراف مباشر من المحكمة لضمان حقوق القاصر.
التبني في تركيا للأجانب
تعتبر عملية تبني الأطفال في تركيا إجراءً صارماً ولكنه إنساني للغاية. يجب أن لا يقل عمر المتقدم للتبني عن 30 عاماً، كما يجب أن يكون هناك فارق سن لا يقل عن 18 عاماً بين المتبني والطفل. والنقطة الهامة هي أن الابن المتبنى في تركيا يحصل على كافة حقوق الابن البيولوجي، بما في ذلك اللقب العائلي وحق الميراث، وهو ما يختلف عن أنظمة “الرعاية” أو “الوصاية” المعمول بها في بعض النظم القانونية الأخرى.
شجرة العائلة وقضايا الهوية
يعتبر نظام “السجل المدني” (Nüfus) في تركيا دقيقاً للغاية. ويجب على المقيمين الدوليين الذين يرغبون في متابعة حقوقهم الإرثية أو تثبيت نسب أطفالهم الاهتمام باستخراج شجرة العائلة وتسجيل الوقائع الحيوية بدقة في الأنظمة الحكومية التركية (مثل بوابة E-devlet).
تحدي “المهر” في تركيا
بما أن النظام القانوني التركي نظام مدني، فإنه لا يعترف بمفهوم “المهر” كجزء من إجراءات الزواج الرسمية لديه. ومع ذلك، هناك حلول قانونية لهذا الأمر؛ حيث يمكن لمحامي الأسرة في تركيا تقديم عقد الزواج الأجنبي كـ “عقد دين” أمام المحاكم المدنية. وقد اعترفت محكمة التمييز التركية في أحكامها الحديثة بالمهر الوارد في عقود الزواج الرسمية كالتزام مالي صحيح وقابل للتنفيذ.
ملاحظة: وفقاً للاجتهاد القضائي التركي، فإن جميع المجوهرات والذهب التي تُهدى للمرأة في حفل الزفاف (حتى تلك المقدمة من أهل الزوج) تعتبر ملكاً خاصاً للمرأة، وفي حال الطلاق، يلتزم الرجل بردها عيناً أو دفع قيمتها الحالية.
الخطوبة في تركيا
خلافاً للاعتقاد الشائع، فإن الخطوبة في القانون المدني التركي ليست مجرد فترة تعارف بسيطة، بل هي “عقد قانوني” يقوم على وعد بالزواج في المستقبل.
إذا فُسخت الخطوبة لسبب غير الزواج، فقد أوضح القانون مصير الهدايا المتبادلة. فوفقاً للمادة 122، يجب إعادة الهدايا غير المعتادة ذات القيمة المادية العالية (مثل الذهب، السيارات، أو المبالغ المالية الكبيرة). كما أن الحق في رفع دعوى لاسترداد هدايا الخطوبة يسقط بمرور عام واحد فقط من تاريخ فسخ الخطوبة.
المواضيع ذات الصلة
إذا حصلتُ على الطلاق خارج تركيا، هل سأظل «متزوجاً» في تركيا؟
إذا حصلت على الطلاق في بلدك الأصلي، فإن هذا الطلاق لا يُعتبر سارياً بشكل تلقائي في تركيا. ستظل تُعتبر “متزوجاً” في الأنظمة التركية، وهو أمر قد يسبب لك مشكلات قانونية عند بيع أو شراء العقارات أو في حال الرغبة في الزواج مرة أخرى. لذلك، يتعين عليك مراجعة المحاكم التركية ورفع “دعوى التنفيذ والاعتراف” (Tenfiz) لتصديق حكم المحكمة الأجنبية وتحديث حالتك الاجتماعية في السجلات الرسمية التركية.
في السنوات الأخيرة، صدر قانون ينص على أنه إذا توجه الطرفان (الزوج والزوجة السابقان) معاً إلى القنصلية أو مديرية النفوس وأقرا بحصول الطلاق في بلدهما، فإن عملية التسجيل تتم بشكل أسرع بكثير.
أما إذا رفض أحد الطرفين التعاون، أو كانت هناك قضايا عالقة مثل حضانة الأطفال وتقسيم الممتلكات، فيجب حينها توكيل محامٍ متخصص في قضايا الطلاق في تركيا لبدء إجراءات دعوى التنفيذ في محكمة الأسرة. في هذه الحالة، لن تحتاج إلى خوض مراحل الطلاق من جديد؛ بل يكفي ترجمة الحكم القطعي الصادر من بلدك وتقديمه للمحكمة ليقوم القاضي التركي بالمصادقة عليه.
نصائح هامة عند اختيار محامي أسرة في تركيا
عند اختيار محامٍ لتولي شؤونك الأسرية، يرجى الانتباه إلى النقاط التالية:
- التخصص: احرص دائماً على اختيار محامٍ يكون تركيزه الأساسي منصباً على قانون الأسرة.
- الشفافية المالية: يجب أن يكون عقد أتعاب المحاماة مكتوباً وواضحاً. في عام 2025، تبدأ تكاليف الطلاق بالتراضي عادةً من 30 ألف ليرة تركية، بينما تبدأ في قضايا الطلاق النزاعية من 60 ألف ليرة تركية.
- الثقة والاستشارة القانونية: اختر المحامي الذي يمنحك شعوراً بالأمان والثقة بالإضافة إلى امتلاكه المعرفة القانونية العميقة.
الخلاصة
إن الشؤون القانونية الأسرية تتجاوز كونها مجرد ملف قضائي بسيط؛ فهي مرتبطة بشكل وثيق بمستقبلك المالي وراحتك النفسية. توفر القوانين التركية الحديثة فرصاً جيدة لحماية حقوق النساء والأطفال، إلا أن الاستفادة من هذه الحقوق تتطلب وعياً قانونياً والاستعانة بخبرة محامٍ متخصص في شؤون الأسرة في تركيا.
فريقنا من المحامين والمستشارين القانونيين، وبفضل إلمامهم الكامل بالقوانين المدنیة التركية واختلافاتها عن الأنظمة القانونية الدولية، مستعدون للدفاع عن حقوقكم أمام المحاكم التركية. للحصول على استشارة تخصصية ومراجعة ملفكم القانوني، يسعدنا تواصلكم معنا.